سورة الأنعام - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{لّكُلّ نَبَإٍ} أي لكل شيءٍ يُنبَأُ به من الأنباء التي من جملتها عذابُكم أو لكلِّ خبرٍ من الأخبار التي من جملتها خبرُ مجيئِه {مُّسْتَقِرٌّ} أي وقتُ استقرارٍ ووقوعٍ البتةَ، أو وقتُ استقرارٍ بوقوعِ مدلولِه {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي حالَ نَبئِكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً، وسوف للتأكيد كما في قوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ}
{وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ فِى ءاياتنا} أي بالتكذيب والاستهزاءِ بها والطعنِ فيها كما هو دأْبُ قريشٍ ودَيدَنُهم {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} بترك مُجالستهم والقيامِ عنهم وقولُه تعالى: {حتى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ} غايةٌ للإعراض أي استمِرَّ على الإعراضِ إلى أن يخوضوا في حديثٍ غيرِ آياتنا، والتذكيرُ باعتبار كونها حديثاً فإن وصفَ الحديثِ بمغايرتها مشيرٌ إلى اعتبارها بعُنوان الحديثية وقيل: باعتبار كونِها قرآناً.
{وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان} بأن يشغَلَك فتنسى النهْيَ فتُجالِسَهم ابتداءً أو بقاءً، وقرئ {يُنَسِّينَّك} من التَنْسِية {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى} أي بعد تذكُّرِ النهي {مَعَ القوم الظالمين} أي معهم فوضَعَ المُظهرَ موضِعَ المُضمر نعياً عليهم أنهم بذلك الخوضِ ظالمون، واضعون للتكذيب والاستهزاءِ موضِعَ التصديق والتعظيم راسخون في ذلك {وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ} رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المسلمين حين نُهوا عن مجالستهم عند خوضِهم في الآيات قالوا: لئن كنا نقول كلما استهزؤا بالقرآن لم نستطِعْ أن نجلِسَ في المسجد الحرام ونطوفَ بالبيت فنزلت. أي ما على الذين يتقون قبائحَ أعمالِ الخائضين وأحوالَهم {مِنْ حِسَابِهِم} أي مما يُحاسَبون عليه من الجرائر {مِن شَىْء} أي شيءٌ ما على أنه في محل الرفع على أنه مبتدأ، وما تميمية أو اسم لها وهي حجازية و{من} مزيدة للاستغراق و{من حسابهم} حال منه و{على الذين يتقون} في محل الرفع على أنه خبر للمبتدأ أو لما الحجازية على رأي من لا يُجيز إعمالَها في الخبر المقدَّم مطلقاً، أو في محل النصب على رأي من يجوِّز إعمالَها في الخبر المقدّم عند كونه ظرفاً أو حرف جر.
{ولكن ذكرى} استدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم أن يذكِّروهم ويمنعوهم عما هم عليه من القبائح بما أمكن من العِظة والتذكير ويُظهروا لهم الكراهَةَ والنكيرَ، ومحل {ذكرى} إما النصبُ على أنه مصدرٌ مؤكِّد للفعل المحذوف أي عليهم أن يذكّروهم تذكيراً أو الرفع على أنه مبتدأ محذوفُ الخبر، أي ولكن عليهم ذكرى {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي يجتنبون الخوضَ حياءً أو كراهةً لمسَاءتهم، وقد جُوِّز كونُ الضمير للموصول أي يذكّروهم رجاءَ أن يثبُتوا على تقواهم أو يزدادوها.


{وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ} الذي كُلِّفوه وأُمروا بإقامة مواجبِه {لَعِباً وَلَهْواً} حيث سخِروا به واستهزأوا أو بنَوْا أمرَ دينهم على ما لا يكادُ يتعاطاه العاقلُ بطريق الجِدّ وإنما يصدُر عنه لو صدَر بطريق اللعِبِ واللهوِ كعبادة الأصنام وتحريمِ البحائرِ والسوائبِ ونحوِ ذلك، والمعنى أعرضْ عنهم ولا تُبالِ بأفعالهم وأقوالهم وقيل: هو تهديدٌ لهم كقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} الآية، {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} واطمأنوا بها حتى زعموا أنْ لا حياةَ بعدها أبداً {وَذَكّرْ بِهِ} أي بالقرآنِ من يصلُح للتذكير {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أي لئلا تُبْسَلَ كقوله تعالى: {أَن تَضِلُّواْ} الآية، أو مخافةَ أن تُبسَل أو كراهةَ أن تبسل نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} وتُرتَهنَ لسوء عملِها، وأصلُ الإبسالِ والبَسْل المنعُ، ومنه أسد باسلٌ لأن فريستَه لا تُفلت منه أو لأنه ممتنَعٌ، والباسل الشجاع لامتناعه من قِرْنه وهذا بَسْلٌ عليك أي حرام ممنوعٌ وقد جوِّز أن يكون الضميرُ المجرورُ في {به} راجعاً إلى الإبسال مع عدم جريان ذكرِه كما في ضمير الشأن وتكون الجملةُ بدلاً منه مفسِّراً له، لما في الإبهام أولاً والتفسيرِ ثانياً من التفخيم وزيادةِ التقرير كما في قوله:
على جودِه لَضَنَّ بالماء حاتمِ ***
بجرّ حاتم على أنه بدل من ضمير جوده فالمعنى وذكر بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} استئنافٌ مَسوقٌ للإخبار بذلك وقيل: في محل النصب على أنه حالٌ من ضمير {كسبت} وقيل: في محل الرفع على أنه وصفٌ {لنفسٌ} والأظهرُ أنه حالٌ من {نفسٌ} فإنه في قوة نفسٌ كافرةٌ أو نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} و{من دون الله} متعلقٌ بمحذوف هو حال من {وليٌّ} كما بُيِّن في تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ} الآية، وقيل: هو خبرٌ لليس فيكون {لها} حينئذٍ متعلقاً بمحذوفٍ على البيان {وَإِن تَعْدِلْ} أي إن تَفْدِ تلك النفسُ {كُلَّ عَدْلٍ} أي كلَّ فِداءٍ على أنه مصدرٌ مؤكد {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} على إسنادِ الفعلِ إلى الجار والمجرور لا إلى ضمير العدل كما في قوله تعالى: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} فإنه المَفْدِيُّ به لا المصدرُ كما نحن فيه {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتهم في سوء الحال، ومحلُه الرفعُ على الابتداء والخبرُ قوله تعالى: {الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} والجملةُ مستأنفةٌ سيقت إثرَ تحذيرِهم من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتَلَوْن بذلك أي أولئك المتخِذون دينَهم لعباً ولهواً المغترون بالحياة الدنيا هم الذين أُبسِلوا بما كسبوا، وقولُه تعالى: {لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} استئناف آخَرُ مُبينٌ لكيفية الإبسال المذكور وعاقبتِه، مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أُبسلوا بما كسبوا؟ فقيل: لهم شرابٌ من ماءٍ مغليَ يتجَرْجَرُ في بطونهم وتتقطَّعُ به أمعاؤهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار تشتعل بأبدانهم {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا وقد جُوِّز أن يكون {لهم شراب} الخ، حالاً من ضمير {أبسلوا} وترتيبُ ما ذُكر من العذابَيْن على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضاً حسبما ينْطق به قولُه تعالى: {بِمَا كَسَبُواْ} لأنه العُمدةُ في إيجاب العذاب والأهمُ في باب التحذير، أو أريد بكفرهم ما هو أعمُّ منه ومن مستتْبِعاته من المعاصي والسيئات هذا، وقد جوِّز أن يكون أولئك إشارةً إلى النفوس المدلولِ عليها {بنفسٌ} محلُه الرفعُ بالابتداء والموصولُ الثاني صفتُه أو بدلٌ منه ولهم شراب إلخ خبرُه والجملة مَسوقةٌ لبيان تَبِعةِ الإبسال.


{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} قيل: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه حين دعاه ابنه عبدُ الرحمن إلى عبادة الأصنام فتوجيهُ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للإيذان بما بينهما من الاتصال والاتحادِ تنويهاً بشأن الصّدّيق رضي الله تعالى عنه أي أنعبد متجاوزين عبادةَ الله الجامعِ لجميع صفاتِ الألوهية التي من جملتها القدرةُ على النفع والضرر ما لا يقدِرُ على نفعنا إذا عبدناه ولا على ضَرِّنا إذا تركناه وأدنى مراتبِ المعبوديةِ القُدرةُ على ذلك. وقوله تعالى: {وَنُرَدُّ على أعقابنا} عطفٌ على {ندعوا} داخلٌ في حكم الإنكارِ والنفْي أي ونُرَدّ إلى الشرك، والتعبيرُ عنه بالردِّ على الأعقاب لزيادة تقبيحِه بتصويره بصورةِ ما هو عَلَمٌ في القُبح مع ما فيه من الإشارة إلى كون الشركِ حالةً قد تُركت ونُبذتْ وراءَ الظهر، وإيثارُ {نرد} على نرتد لتوجيه الإنكار إلى الارتداد بردِّ الغير تصريحاً بمخالفة المُضلِّين وقطعاً لأطماعهم الفارغةِ وإيذاناً بأن الارتدادَ من غير رادَ ليس في حيز الاحتمال ليُحتاجَ إلى نفيه وإنكاره، وقوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} أي إلى الإسلام وأنقذنا من الشرك متعلقٌ بنرُدّ مَسوقٌ لتأكيد النكيرِ لا لتحقيق معنى الرد وتصويرِه فقط وإلا لكفى أن يقالَ: بعد إذ اهتدينا كأنه قيل: ونُرَدّ إلى الشرك بإضلال المضِلّ بعد إذ هدانا الله الذي لا هاديَ سواه وقوله تعالى: {كالذى استهوته الشياطين} في محل النصبِ على أنه حالٌ من مرفوع {نُرد} أي أنرد على أعقابنا مشبَّهين بالذي استهوته مَرَدةُ الجن واستغوته إلى المهامِهِ والمهالك، أو على أنه نعتٌ لمصدر محذوف أي أنُرد رداً مثلَ ردِّ الذي استهوته الخ، والاستهواءُ استفعال من هَوَى في الأرض إذا ذهب فيها كأنها طلبت هُويَّه وحرصت عليه وقرئ {استهواه} بألفٍ مُمالة، وقوله تعالى: {فِى الارض} إما متعلق باستهوته أو بمحذوفٍ هو حال من مفعوله أي كائناً في الأرض وكذا قوله تعالى: {حَيْرَانَ} حال منه على أنها بدلٌ من الأولى أو حال ثانية عند من يجيزها أو من {الذي} أو من المستكن في الظرف أي تائهاً ضالاً عن الجادة لا يدري ما يصنع وقوله تعالى: {لَهُ أصحاب} جملة في محل النصب على أنها صفةٌ لحيران أو حالٌ من الضمير فيه أو مستأنفةٌ سيقت لبيان حالِه، وقوله تعالى: {يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى} صفةٌ لأصحاب أي لذلك المستهوى رفقةٌ يهدونه إلى الطريق المستقيم، تسميةٌ له بالمصدر مبالغةً كأنه نفس الهدى {ائتنا} على إرادة القول على أنه بدل مِنْ {يدعونه} أو حال من فاعله أي يقولون: ائتنا، وفيه إشارة إلى أنهم مهتدون ثابتون على الطريق المستقيم وأن من يدعونه ليس ممن يعرف الطريق المستقيم ليدعى إلى إتيانه، وإنما يُدرك سمتَ الداعي ومورِدَ النعيق فقط {قُلْ إِنَّ هُدَى الله} الذي هدانا إليه وهو الإسلام {هُوَ الهدى} وحدَه وما عداه ضلال محضٌ وغيٌّ بحتٌ كقوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال} ونحوِه، وتكريرُ الأمر للاعتناء بشأن المأمورِ به ولأن ما سبق للزجْرِ عن الشرك وهذا حثٌّ على الإسلام، وهو توطِئةٌ لما بعده، فإن اختصاصَ الهُدى بهُداه تعالى مما يوجبُ الامتثالَ بالأوامر الواردةِ بعده {وَأُمِرْنَا} عطفٌ على {إن هُدى الله هو الهدى} داخلٌ تحت القول، واللام في {لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} لتعليل الأمر المَحْكيِّ وتعيينِ ما أريد به من الأوامر الثلاثة كما في قوله تعالى: {قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ} الآية، كأنه قيل: أمرنا وقيل لنا: أسلِموا لأجل أن نسلَمَ وقيل: هي بمعنى الباء أي أمرنا بأن نُسلم، وقيل: زائدة أي أُمرنا أن نُسلم على حذف الباء.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17